الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)
.تفسير الآيات (14- 19): {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)}أخرج أبو يعلى والطبراني وابن مردويه وابن عساكر عن أبي عثمان النهدي قال: إن سعد بن أبي وقاص قال: نزلت هذه الآية {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً} كنت رجلاً براً بأمي، فلما أسلمت قالت: يا سعد وما هذا الذي أراك قد أحدَثْتَ؟ لتَدَعَنَّ دينَك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فَتُعَيَّرَ بي، فيُقال يا قاتل أمه قلت: يا أمه لا تفعلي فإني لا أدع ديني هذا لشيء، فمكثت يوماً وليلة لا تأكل، فاصبحت قد جهدت، فمكثت يوماً آخر وليلة وقد اشتد جهدها، فلما رأيت ذلك قلت: يا أمه تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني هذا لشيء، فإن شئت فكلي وإن شئت فلا تأكلي، فلما رأت ذلك أكلت. فنزلت هذه الآية.وأخرج ابن عساكر عن سعد قال: نزلت فيَّ أربع آيات: الأنفال {وصاحبهما في الدنيا معروفاً} والوصية والخمر.وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال: نزلت هذه الآية في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه {وإن جاهداك على أن تشرك بي...}.وأخرج ابن سعد عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال: جئت من الرمي فإذا الناس مجتمعون على أمي حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس، وعلى أخي عامر حين أسلم فقلت: ما شأن الناس! فقالوا: هذه أمك قد أخذت أخاك عامراً تعطي الله عهداً: أن لا يظلها ظل، ولا تأكل طعاماً، ولا تشرب شراباً حتى يدع الصباوة. فأقبل سعد رضي الله عنه حتى تخلص إليها فقال: علي يا أمه فاحلفي قالت: لم؟ قال: أن لا تستظلي في ظل، ولا تأكلي طعاماً، ولا تشربي شراباً، حتى تريْ مقعدك من النار: فقالت: إنما أحلف على ابني البر. فأنزل الله: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً} إلى آخر الآية.وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وهناً على وهن} قال: شدة بعد شدة، وخلقاً بعد خلق.وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني في قوله: {وهناً على وهن} قال: ضعفاً على ضعف.وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وهناً على وهن} قال: مشقة وهو الولد.وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وهناً على وهن} قال: الولد على وهن؟ قال: الوالدة وضعفها.وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله تعالى عنه في قوله: {وصاحبهما في الدنيا معروفاً} قال: تعودهما إذا مرضا، وتتبعهما إذا ماتا، وتواسيهما مما أعطاك الله {واتبع سبيل من أناب إليَّ}.وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {واتبع سبيل من أناب إليَّ} قال: محمد صلى الله عليه وسلم.وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {إنها إن تك مثقال حبة من خردل} قال: من خير أو شر {فتكن في صخرة} قال: في جبل.وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الأرض على نون، والنون على بحر، والبحر على صخرة خضراء، فخضرة الماء من تلك الصخرة قال: والصخرة على قرن ثور، وذلك الثور على الثرى، ولا يعلم ما تحت الثرى إلا الله. فذلك قوله: {الله له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى} [ طه: 6] فجميع ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى في حرم الرحمن، فإذا كان يوم القيامة لم يبق شيء من خلقه، قال: {لمن الملك اليوم} فيهتز ما في السموات والأرض فيجيب هو نفسه فيقول: {لله الواحد القهار}.وأخرج الفريابي وابن جرير عن أبي مالك رضي الله عنه {يأت بها الله} قال: يعلمها الله.وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {إن الله لطيف} قال: باستخراجها. قال: بمستقرها.وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {وأمر بالمعروف} يعني بالتوحيد {وانه عن المنكر} يعني عن الشرك {واصبر على ما أصابك} في أمرهما يقول: إذا أمرت بمعروف أو نهيت عن منكر، وأصابك في ذلك أذى وشدة، فاصبر عليه {إن ذلك} يعني هذا الصبر على الأذى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {من عزم الأمور} يعني من حق الأمور التي أمر الله تعالى.وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {واصبر على ما أصابك} من الأذى في ذلك {إن ذلك من عزم الأمور} يقول: مما عزم الله عليه من الأمور، ومما أمر الله به من الأمور.وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر والخطيب في تالي التلخيص عن أبي جعفر الخطمي رضي الله عنه أن جده عمير بن حبيب وكانت له صحبة أوصى بنيه قال: يا بني إياكم ومجالسة السفهاء فإن مجالستهم داء، إنه من يحلم عن السفيه يسر بحلمه، ومن يحبه يندم، ومن لا يقر بقليل ما يأتي به السفيه يقر بالكثير، ومن يصبر على ما يكره يدرك ما يحب، وإذا أراد أحدكم أن يأمر الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر فليوطن نفسه على الصبر على الأذى، وليثق بالثواب من الله، ومن يثق بالثواب من الله لا يجد مس الأذى.وأخرج الطبراني وابن عدي وابن مردويه عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن قول الله: {ولا تصعر خدك للناس} قال: ليّ الشدق».وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ولا تصعر خدك للناس} يقول: لا تتكبر. فتحقر عباد الله، وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك.وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ولا تصعر خدك للناس} قال: هو الذي إذا سلم عليه لوى عنقه كالمستكبر.وأخرج الفريابي وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ولا تصعر خدك للناس} قال: الصدود والإِعراض بالوجه عن الناس.وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {ولا تصعر خدك للناس} يقول: لا تعرض وجهك عن فقراء الناس تكبراً.وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن الربيع بن أنس رضي الله عنه في قوله: {ولا تصعر خدك للناس} قال: ليكن الفقير والغني عندك في العلم سواء، وقد عوتب النبي صلى الله عليه وسلم {عبس وتولى}.وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {واقصد في مشيك} قال: تواضع.وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن يزيد بن أبي حبيب رضي الله عنه في قوله: {واقصد في مشيك} قال: يعني السرعة.وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {واقصد في مشيك} يقول: لا تختال: {واغضض من صوتك} قال: اخفض من صوتك عن الملأ {إن أنكر الأصوات} قال: أقبح الأصوات {لصوت الحمير}.وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {واقصد في مشيك} قال: نهاه عن الخيلاء {واغضض من صوتك} قال: أمره بالاقتصاد في صوته {إن أنكر الأصوات} قال: أقبح الأصوات {لصوت الحمير} قال: أوّله زفير وآخره شهيق.وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {إن أنكر الأصوات لصوت الحمير} قال: أنكرها على السمع.وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان الثوري رضي الله عنه قال: صياح كل شيء تسبيحه إلا الحمار.وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه قال: لو كان رفع الصوت خيراً ما جعله الله للحمير..تفسير الآيات (20- 26): {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21) وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22) وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (23) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (24) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25) لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26)}أخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن عطاء رضي الله عنه قال: «سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن قوله: {وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة} قال: هذه من كنوز علي قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أما الظاهرة؛ فما سوى من خلقك، وأما الباطنة؛ فما ستر من عورتك، ولو أبداها لقلاك أهلك فمن سواهم».وأخرج ابن مردويه والبيهقي والديلمي وابن النجار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول {وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة} قال: «أما الظاهرة؛ فالإِسلام وما سوى من خلقك، وما أسبغ عليك من رزقه، وأما الباطنة؛ فما ستر من مساوي عملك، يا ابن عباس إن الله تعالى يقول: ثلاث جعلتهن للمؤمن: صلاة المؤمنين عليه من بعده. وجعلت له ثلث ماله أكفر عنه من خطاياه. وسترت عليه من مساوي عمله، فلم أفضحه بشيء منها، ولو أبديتها لنبذه أهله فمن سواهم».وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة} قال: النعمة الظاهرة: الإِسلام. والنعمة الباطنة: كل ما ستر عليكم من الذنوب والعيوب والحدود.وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ {وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة} قال: هي لا إله إلا الله.وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقرأها {وأسبغ عليكم نعمه} قال: لو كانت نعمة كانت نعمة دون نعمة.وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وأسبغ عليكم نعمه} قال: لا إله إلا الله ظاهرة قال: على اللسان {وباطنة} قال: في القلب.وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي عن مقاتل رضي الله عنه في قوله: {نعمه ظاهرة} قال: الإِسلام {وباطنة} قال: ستره عليكم المعاصي.وأخرج الخرائطي في مكارم الأخلاق عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة} قال: أما الظاهرة: فالإِسلام. والقرآن، وأما الباطنة: فما ستر من العيوب..تفسير الآية رقم (27): {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)}أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن أحبار يهود قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة: يا محمد أرأيت قولك {وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} ايانا تريد أم قومك؟ فقال: كلا... فقالوا: ألست تتلو فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة وفيها تبيان كل شيء؟ فقال: إنها في علم الله قليل. فأنزل الله في ذلك {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام...}».وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «اجتمعت اليهود في بيت فارسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن ائتنا. فجاء فدخل عليهم فسألوه عن الرجم فقال: أخبروني بأعلمكم. فأشاروا إلى ابن صوريا الأعور قال: أنت أعلمهم قال: إنهم يزعمون ذاك قال: فنشدتك بالمواثيق التي أخذت عليكم، وبالتوراة التي أنزلت على موسى. ما تجدون في التوراة؟ قال: لولا أنك نشدتني بما نشدتني به ما أخبرتك، أجد فيها الرجم قال: فقضى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: صدقت يا محمد عندنا التوراة فيها حكم الله، فكانوا قبل ذلك لا يظفرون من النبي صلى الله عليه وسلم بشيء قال: فنزل على النبي صلى الله عليه وسلم {وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} [ الإسراء: 85].فاجتمعوا في ذلك البيت فقال رئيسهم: يا معشر اليهود لقد ظفرتم بمحمد فأرسلوا إليه. فجاء فدخل عليهم فقالوا: يا محمد ألست أنت أخبرتنا أنه أنزل عليك {وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله} ثم تخبرنا أنه أنزل عليك {وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} فهذا مختلف. فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرد عليهم قليلاً ولا كثيراً قال: ونزل على النبي صلى الله عليه وسلم {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام} وجميع خلق الله كتاب، وهذا البحر يمد فيه سبعة أبحر مثله، فمات هؤلاء الكتاب كلهم، وكسرت هذه الأقلام كلها، ويبست هذه البحور الثمانية، وكلام الله كما هو لا ينقص، ولكنكم أوتيتم التوراة فيها شيء من حكم الله، وذلك في حكم الله قليل. فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم فأتوه فقرأ عليهم هذه الآية قال: فرجعوا مخصومين بشر».وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول. فقال رجل: يا محمد تزعم أنك أوتيت الحكمة، وأوتيت القرآن، وأوتينا التوراة، فأنزل الله: {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله} وفيه يقول: علم الله أكثر من ذلك {وما أوتيتم من العلم} فهو كثير لكم لقولكم قليل عندي».وأخرج ابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه قال: سأل أهل الكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح. فأنزل الله: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} فقالوا: تزعم أنا لم نؤت من العلم إلا قليلاً، وقد أوتينا التوراة: وهي الحكمة {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً} فنزلت {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام}.وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة وأبو نصر السجزي في الابانة عن قتادة رضي الله عنه قال: قال المشركون: إنما هذا كلام يوشك أن ينفد فنزلت {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام} يقول: لو كان شجر الأرض أقلاماً، ومع البحر سبعة أبحر مداد لتكسرت الأقلام، ونفد ماء البحور، قبل أن تنفد عجائب ربي، وحكمته وعلمه.وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه قال: قال حيي بن أخطب: يا محمد تزعم أنك أوتيت الحكمة {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً} وتزعم أنا لم نؤت من العلم إلا قليلاً، فكيف يجتمع هاتان؟ فنزلت هذه الآية {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام} ونزلت التي في الكهف {قل لو كان البحر مداداًَ لكلمات ربي...}.وأخرج عبد الرزاق وأبو نصر السجزي في الإِبانة عن أبي الجوزاء رضي الله عنه في قوله: {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام} يقول: لو كان كل شجرة في الأرض أقلاماً، والبحار مداداً، لنفد الماء، وتكسرت الأقلام، قبل أن تنفد كلمات ربي.وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ {والبحر يمده} رفع.
|